Friday, April 20, 2018

الثأر للجنرال الذهبى : عملية لسان التمساح الاولى

فى 9 مارس 1969 اطلقت المدفعية الاسرائيلية من موقع لسان التمساح الاسرائيلى قذائفها اثناء زيارة قائد الاركان المصرى الفريق عبد المنعم رياض لاحد المواقع المصرية المقابلة له قرب الاسماعيلية ما ادى لاستشهاده و كان له اثر معنوى سئ جدا على الجيش و الشعب المصرى فقررت القيادة المصرية الثأر له بالظبت يوم الذكرى الاربعين لاستشهاده و من نفس الموقع

وقع اختيار القيادة العامة على المجموعة 39 قتال التابعة للمخابرات الحربية لتنفيذ المهمة دى لكونها مكونة من تشكيلة من نخبة رجال الصاعقة و الصاعقة البحرية و بقيادة اسم مشهور بالكفاءة هو العميد – لاحقا شهيد – ابراهيم الرفاعى و كان بحوذة القيادة المصرية مخطط للموقع و تحصيناته مع فهم كامل لاسلوب التامين له فكانت العملية على التنفيذ

اتقسمت قوة الهجوم على 6 قوارب و 64 جندى و ضابط فى 4 مجموعات قتالية كل مجموعة حتهاجم دشمة من ال 4 اللى بيكونوا الموقع ( الدشمة مبنى محصن بالاسمنت المسلح و اغلبه تحت الارض فيه فتحات للرشاشات او المدفعية )

يوم 18 ابريل 1969 اتحركت قوة الهجوم بسلاحها من قيادتها فى الحلمية فى القاهرة لموقع التجهيز فى الاسماعيلية و يوم 19 ابريل تحركت القوات بعد صلاة المغرب و حلول الظلام لموقع العبور و جهزت القوارب و اثناء دا المدفعية المصرية بدات قصف مكثف على طول خط بارليف لمدة ساعة و نص و دا خلى كل افراد العدو ينزلوا جوة الخنادق و الدشم و محدش يفضل برة عشان يكتشف عبور المجموعة

الساعة ال 8 مساءا بدات القوارب بالعبور و المدفعية المصرية شغالة لحد ما نزلت على الضفة الشرقية و بعدها طلب العميد الرفاعى من المدفعية ايقاف القصف عشان يبتدوا الهجوم على الموقع و كل مجموعة طلعت على الهدف المحدد ليها و بدات المعركة لكن اغلب القوة الاسرائيلية كانت داخل متحصنة دشمها فالقى رجال المجموعة قنابل دخان من فتحات التهوية و التكييف بالدشمة لاجبار الجنود على الخروج ثم امطارهم بوابل من نيران الرشاشات و القنابل اليدوية فى حين ان المجموعة الرابعة تحركت بعد تدمير هدفها لرص الالغام عشان تصد الدبابات اللى ابتدوا يسمعوا صوت جنازيرها من بعيد و هى قادمة باقصى سرعة لانقاذ الموقع 
و بالفعل اثناء انسحاب القوة وصلت الدبابات و فورا انفجرت 2 منهم و توقف الباقى خوفا من دخوله كمين فى الظلام و اكملت القوة المصرية انسحابها بسلام و كان اخر من غادر العميد الرفاعى بعد تاكده من وصول كافة رجاله للقوارب و اخلاء المصابين و اعطى اشارة للمدفعية المصرية ببدا القصف مرة اخرى لحماية رجوع المجموعة من اى انتقام اسرائيلى

كانت نتيجة عملية لسان التمساح الاولى تدمير الموقع بالكامل و عربة مدرعة نصف جنزير و دبابتين و مصرع 40 جندى اسرائيلى هم اغلب القوة الموجودة و الاستيلاء على كميات من الاسلحة و معدات الاتصال و علم الموقع فى حين كانت الخسائر المصرية اصابتين منهم النقيب محى نوح اللى فجر مخزن ذخيرة الموقع و جات فيه شظايا من الانفجار و اثناء علاجه زاره الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا لتهنئته و باقى القوة بنجاح العملية اللى كانت دفعة معنوية ضخمة للشعب المصرى

عملية لسان التمساح كانت اول عملية فى الاراضى المحتلة و بداية حرب الاستنزاف اللى حتستمر 3 سنوات دا غير انها وصلت رسالة للعدو ان فى نية للحرب حتى لو استشهد قائد الاركان شخصيا رغم ان الراجل دا فعلا كان يساوى فوق الاربعين منهم بس اتعملهم تخفيض 
و شكرا

الصورة جزء من المجموعة 39 قتال و فى المنتصف العميد شهيد ابراهيم الرفاعى

Monday, April 16, 2018

رجل باسطول كامل : الادميرال نلسون

فى 9 يناير 1806 شيعت جنازة الادميرال هوراشيو نلسون من كنيسة سان بول فى لندن فى جنازة حاشدة وسط مشاعر فرح و حزن مختلطة 
فرح بالانتصار النهائى على الاسطولين الفرنسى و الاسبانى مجتمعين فى معركة الطرف الاغر و حزن على خسارة الراجل اللى خلى الانتصار دا و غيره ممكنين و ثبت السيطرة البريطانية على بحار العالم كافة دون منازع لمدة 100 سنة بعد المعركة دى

نلسون اختصارا ابن لكاهن بس فشل انه يمشى على خطى والده و انضم للبحرية و عنده 12 سنة على سفينة قائدها عمه و كان شجاع و محبوب من كل اللى خدم معاهم لدرجة انه بقى قبطان سفينة و عنده 20 سنة فقط لكن شجاعته دى حتعمله مشاكل كتير

مثلا اثناء الحروب ضد نابليون و قيادته للحملات لاحتلال جزر المتوسط الفرنسية و فى احد المعارك خد اصابه فى عينه اليمين و بقى مصاب بعمى جزئى طول حياته و رغم كدا كمل خدمته لطلعة الغشامة التانية

اثناء معركة للاستيلاء على ميناء سانتا كروز دى تناريف خد نلسون - اللى مكانش بيقف الا فى وسط جنوده - دانة مدفع فى ذراعه اليمين و اتكسر لدرجة منفعش معاها الا بتره لكن لانه نلسون رجع يكتب التقارير اليومية بايده الشمال بعد يومين فقط من البتر 
كدا الراجل اللى المفروض بقى ادميرال ( لواء ) فى البحرية بقى بعين واحدة و رجل واحدة و المفروض يرجع انجلترا يقضى باقى عمره مع زوجته - اللى كان بيحبها و فى نفس الوقت كان بيخونها مع الليدى هاميلتون و كان دا سبب انفصالهم - لكن نلسون مبيتقاعدش

خد جزء من الاسطول البريطانى و طلع يطارد اسطول فرنسا اللى راح فى حملته الشهيرة على مصر و دمره بشكل شبه كامل فى معركة ابو قير البحرية اللى كتبت شهادة الوفاة لاى طموحات لنابليون فى الشرق و كالعادة طلع من المعركة باصابة فى جبهته - بسيطة بمقياس الراجل دا يعنى لكن بمجد و تقدير و القاب مفيش قائد بحرى وصلها

اخر طلعة غشامة لنلسون لما جاله خبرعام 1805 - وسعادته بيستجم مع اللايدى هاميلتون - ان الاسطولين الفرنسى و الاسبانى اتجمعوا قدام مدينة قادش الاسبانية و احتمال تكون دى بداية عملية غزو للجزر البريطانية 
فساب كل حاجة و جمع الاسطول البريطانى و رفع فوقها اعلام عليها الجملة اللى عاش بيه طول عمره ( ان انجلترا تنتظر ان يقوم كل رجل بواجبه ) و اتجه بيها لمقابلة الاسطولين فى معركة الطرف الاغر يوم 21 اكتوبر 1805 و كانت استراتيجية نلسون انه يتحاشى مقدمة الاسطولين و يلف من وراهم و يتجه مباشرة للوسط لمهاجمة سفينة القيادة اللى هى عقل العدو بالكامل و نجحت الخطة لكن اثناء المعركة لمحة قناص من سفينة فرنسية و اطلق رصاصة فى ضهره هشمت العامود الفقرى و حمله جنوده لتحت سطح السفينة 
و هناك كانت اخر كلماته ( الحمد لله قد اديت واجبى ) و مات نلسون لكن باقى اسطوله استمر فى القتال بشراسة لحد ما انهى المعركة لصالح بريطانيا

و للطرافة اتحط جثمان نلسون فى برميل براندى لحد ما وصل انجلترا ( يمكن لانه لان زياط فدى نهاية هو شخصيا مش حيزعل منها ) و شيعت جنازته وسط تكريم غير مسبوق لكن اعظم شهادة عن نلسون ان كل جنوده كانوا نسخ صغيرة منه فى الشجاعة و الفدائية و دا الارث اللى سابه عشان جنوده و تلاميذهم يحكموا البحار لحد الحرب العالمية الثانية

و شكرا

الصور : 
الادميرال نلسون بزى الاحتفالات الرسمى - لحظة اصابة نلسون فى معركة الطرف الاغر



Sunday, April 15, 2018

الله لا يريدها : الحملة الصليبية الرابعة و نهب القسطنطينية

فى 12 ابريل سنة 1204 اجتاح جيش من 20 الف مقاتل صليبى مدعومين باسطول من 200 سفينة مدينة القسطنيطينة عاصمة الدولة البيزنطية و مقر الكنيسة اليونانية الارثوذوكسية و واحدة من اعظم عواصم العالم القديم و اكثرها تحصينا 
غريبة ان فرسان صليبين ينهبوا مدينة مسيحية و يخلعوا الذهب من الكنايس و يغتصبوا السيدات اللى لابسين نفس الصليب اللى على دروعهم ؟؟؟ ...مش غريبة لو جبناها من الاول خالص

بيرجع الخلاف بين القسطنطينة و روما لانقسامات مذهبية بين الكنيستين الارثوذوكسية و الكاثوليكية دا غير الاحتقار الدائم بين البيزنطيين و سكان غرب اوروبا , فمن ناحية البيزنطيين بيشوفوا نفسهم الورثة الشرعيين للامبراطورية الرومانية و احد اهم مراكز الحضارة و الرقى و الفكر اما سكان غرب اوروبا , اللاتين , فهم احفاد البرابرة اللى نهبوا روما 
و من الناحية التانية ملوك غرب اوروبا و اسيادها الاقطاعيين بيشوفوا البيزنطيين كشعب تافه مرفه نسى فنون الحرب و جيرانه العرب و الاتراك و البلغار بيقطعوا من اراضيه كل شوية 
على كل الاحوال كانت دى النظرة العامة من الطرفين لبعض بس طالما فضل كل واحد منهم فى بلده يبقى مفيش مشاكل , نحتقر بعض من بعيد لبعيد , لكن الامور شدت الطرفين لبعض اذ ان مع بداية الحملات الصليبية اتجهت جيوش ضخمة من غرب اوروبا للشرق و عبرت فى اراضى الدولة البيزنطية و سببوا خراب و مشاكل كبيرة و اضطر الاباطرة لاستخدام الديبلوماسية او القوة لتحجيم جحافل الصليبيين و دا عمق الخلاف و عدم الثقة اكتر بين الطرفين

لحد ما جات دعوة البابا اينوسنت الثالث سنة 1202 لحملة صليبية رابعة لاول مرة ضد مصر - قلب الحكم العربى و سلة غلاله – و ضم فيها امراء حرب صغيرين من مقاطعات فرنسية و ايطالية اذ ان ملوك دول اوروبا الكبرى , انجلترا و فرنسا و المانيا , كانوا مشغولين فى مشاكلهم المحلية و لكن ما فقده الامراء دول من المال و الرجال عوضوه بحسن تدريبهم لانهم فعليا مكانش وراهم الا الحرب مع بعضهم 
و اتفق قادة الحملة مع اسطول من مدينة البندقية الايطالية ( فينيسيا ) على نقلهم لمصر و امدادهم بالطعام مقابل مبلغ ضخم من المال و البنادقة وافقوا و الدنيا مشيت كويس لحد ما وصلت قوات الحملة للبندقية و ساعتها عجزوا عن الوفاء بالمبالغ المطلوبة دا غير ان موصلش الا تلت عدد الجنود بس و الباقى اختفى و الحملة توقفت فقرر قادتها ارتكاب اول جرائمهم , نهب مدينة زارا البلغارية عشان يكملوا باقى تكاليف الحملة , لكن المشكلة ان ملك البلغار كان مسيحى لاتينى و من مناصرى الحملات الصليبية لكن دا ممنعهمش انهم يعتبروه عدو للكنيسة و ينهبوا المدينة بالرغم من غضب البابا و اصداره حرمان ضدهم ( ثم سحبه لما اقنعوه ان دا فى سبيل تحرير الاراضى المقدسة )

لكن الجريمة الاكبر كانت فى السكة , فاثناء ما القوات الصليبية كانت معسكرة فى زارا جالهم وفد من الامير البيزنطى اليكسوس انجيلوس و وعدهم انهم لو ساعدوه ياخد العرش من الامبراطور الحالى حيمدهم بكل ما يحتاجوه من المال و الرجو هنا تحولت الحملة عن هدفها الرئيسى للمرة الثانية و قرروا يدعموا الامير لحد ما وصل للعرش تحت اسم الامبراطور اليكسوس الرابع لكن كان الثمن انه حارب اهله و بقى خائن و مكروه و انتظر الصليبيين بصبر خارج الاسوار ثمن مساعدتهم للامبراطور الجديد اللى رفع الضرائب على السكان عشان يجمع المبلغ و فى النهاية فاض الكيل و اغتاله احد قادة الجيش و نصب نفسه امبراطور تحت اسم اليكسوس الخامس و بدا التحضير لقتال الصليبين بتحصين اسوار المدينة و شن غارات على معسكر الصليبيين

الصليبيين و حلفاءهم البنادقة قرروا ميستنوش و شنوا هجوم شامل صباح يوم 9 ابريل 1204 لكن تم صده و تبعوه بهجمات اخرى على الاسوار و فشلت و امام شبح الهزيمة قرروا يستغلوا مهارة البنادقة فى الملاحة و يهاجموا من البحر و فعلا وصلت السفن للاسوار و ركبوا عليها معدات الحصار 
و يوم 12 ابريل وصل الصليبيين لابراج الحراسة و تدفقوا على المدينة كاسحين قدامهم اى مقاومة من البيزنطيين و هرب الامبرطور و الباقى عايز طبيب نفسى عشان يفسره لان الدم حرفيا بقى للركب فيما يذكرك بمذبحة القدس فى الحملة الصليبية الاولى و اتنهب كل متر من المدينة حتى القبور و اتفسمت الغنائم بين الصليبيين و البنادقة بما فيها اراضى بيزنطة و اعلن بلدوين كونت الفلاندرز كملك على مملكة القسطنطينية اللاتينية و اما البابا اينوسنت الثالث فكان سعيد لخبر سقوط المدينة لحد ما ادرك حجم الكارثة اللى عملها رجاله و لما عرف كان الموضوع برة ايده و اكتفى بتوبيخهم شفويا دون حرمان

و بالرغم من ان اباطرة بيزنطة فى المنفى موقفوش سعيهم للعودة لوطنهم لحد ما الامبراطور ميخائيل الخامس نجح فى استعادة القسطنطينية من اللاتين و ارجاع عرش اجداده لكن الامبراطورية عمرها ما تعافت بالكامل من كارثة النهب دى و دا خلاها ( رجل اوروبا المريض ) اللى ملزموش الا زقة قوية من السلطان العثمانى محمد الفاتح سنة 1453 عشان يتكتب شهادة وفاتها فعليا

الزتونة : 
كانت الصيحة المفضلة للجيوش الصليبية ( الله يريدها God wills it ) لكن الحقيقة ان البشر فقط هم من ارادوها 
و شكرا



Sunday, March 25, 2018

من ديان بيان فو للجزائر : كيف غير النصر الفيتنامى مجريات السياسة فى الشرق الاوسط

فى 13 مارس عام 1954 بدأت معركة ديان بيان فو التى خلدها التاريخ كأول هزيمة واسعة النطاق فى العصر الحديث لجيش غربى على يد امة من الشرق و كان لها من الاثر محليا و دوليا ما جعل ما كتب عنها احد اهم احداث حروب التحرير 
و لكن لنستوعب تماما ذلك الاثر يجب ان نرجع قليلا للوراء , الى نهاية الحرب العالمية الثانية

فعند نهاية الحرب فقدت اليابان كل ما قد احتلته من اراضى القوى الاستعمارية الغربية بما فيها الهند الصينية ( فيتنام ) و التى عادت بعد مطالبات متكررة للسيطرة الفرنسية و لكن لم تستتب الاوضاع لهم كما كان فى السابق اذ طالب الشعب الفيتنامى بالاستقلال تحت قيادة الزعيم الفيتنامى الاشهر ( هو تشى منه ) و بدات حرب الهند الصينية الاولى بين الفرنسيين و الذين ساندتهم الولايات المتحدة الامريكية و الفيتناميين الشماليين ( الفيت منه ) تساندهم الدول الشيوعية كالصين و الاتحاد السوفيتى

و مع استمرار الخسائر و القتال المستمر قرر الفرنسيين فى خطوة جريئة اقامة قاعدة قوية فى اقصى الشمال الغربى الفيتنامى عميقا داخل اراضى العدو لتقطيع اوصال القوات الفيتنامية و حرمانها من حرية الحركة و بالتالى استفزازها لتقوم بهجوم امامى تكون فيه الغلبة للقوات الفرنسية المتفوقة نيرانيا و جويا و اختير لتلك القاعدة منطقة ديان بيان فو المحاطة بالتلال من جميع الاتجاهات و تمركز بها قوة من 13 الف مقاتل من صفوة الوحدات الفرنسية المدربة و جنود المستعمرات و الفيلق الاجنبى و المظليين مزودين بوحدات المدفعية و الهندسة و المدرعات و مدعومين من الطيران الفرنسى القادم من قواعده فى هانوى فى اقصى الشرق 
و خصص للقاعدة مطارين للقيام بعمليات الامداد و التموين و اخلاء الجرحى اذ غاب التهديد الجوى الفيتنامى بالكامل عن مسرح العمليات فلم تهتم القيادة الفرنسية كثيرا بوجود طرق امداد برية لقواتها فى ديان بيان فو فتفوقها الجوى كان ساحقا و خطط ان يكون هو الاساس فى اى عملية مقبلة اذ لم يكن فى القاعدة من الامدادت الا ما يكفيهم ل 8 ايام من القتال

على الجانب الاخر قام الفيتناميون بقيادة الجنرال البارز ( فو نجوين جياب ) باستعدادتهم للهجوم على قاعدة ديان بيان فو فحشد الجنرال جياب حوالى 50 الف جندى و نقلت كميات ضخمة من السلاح و العتاد الحربى و المدفعية و مواد الاعاشة من اقصى الشمال على الحدود الصينية لمنطقة التجهيز للهجوم عبر الجبال و فى الاغلب على ظهور الاف الجنود و المؤيدين من الاهالى او الدرجات الهوائية و حفرت الانفاق و الخنادق بما يتيح للقوات الفيتنامية الاقتراب لاقصى ما يمكن من الفرنسيين و استمر الفيت منه فى تضيق الخناق تدريجيا على القاعدة و اغلاق الطرق البرية المحيطة بها و التحرش باى قوات تخرج منها لاستطلاع الوضع حتى باتت القاعدة فى عزلة تامة عن العالم لولا استمرار العمل فى مطاراتها

و فى يوم 13 مارس من عام 1954 و قبل الموعد المقرر للهجوم الفيتنامى – اذ اكتشف الفرنسيون نية الفيتناميين للهجوم – بدات المدفعية الفيتنامية المنصوبة على الجبال المحيطة بديان بيان فو فى صب حممها على المواقع الفرنسية محدثة دمارا واسعا و ركز القصف على المطارات فعطلت بالكامل و استحال هبوط طائرات الامدادات و عندما لجأ الفرنسيين للاسقاط المظلى تصدت المدفعية الفيتنامية المضادة للطائرات لهم حتى نزل اكثر من المظليين موتى و وقعت المعدات و الاغذية فى مناطق يسيطرعليها الفيتناميون و توالت هجمات الموجات البشرية الفيتنامية على المواقع الفرنسية حتى سقط الكثيرون منهم بين قتيل و جريح و فى نفس الوقت ارتفعت خسائر الفرنسيين بشكل درامى و بينما لم يتعدى الدعم الامريكى بعض الغارات الجوية كان للفيتناميين امداد لا ينضب من الرجال و السلاح و فشل الطيران الفرنسى فى اسكات المدفعية الفيتنامية التى كانت مخباة و محصنة بمهارة فى الجبال

و بعد 56 يوما من القتال العنيف و يوم 7 مايو 1954 انهارت المقاومة الفرنسية بالكامل و اجتاحت القوات الفيتنامية مركز القيادة فى القاعدة و عند الساعة الخامسة و النصف مساءا تم السيطرة على المقر العام و سقوط ديان بيان فو بيد القوات الفيتنامية ، و اعتقال الجنرال دي كاستري و مجموعة القيادة التي تضم 16 عقيد ، 1749 ضابط و ضابط صف ،و حوالي 7 ألاف من قواته

أسفرت هذه المعركة عن نتائج بالغة الأهمية، فبالإضافة إلى الخسائر (1142 قتيلًا و1606 مفقودين و4500 جريح من الفرنسيين، ونحو 20 ألفًا بين قتيل وجريح من الفيتناميين)، أدى انتصار الفيتناميين إلى انتهاء السطوة الاستعمارية الفرنسية في الشرق الأقصى و تشجيع المقاتلين المناوئين للاستعمارعلى المقاومة واشتعال جبهات أخرى ضد الفرنسيين. فبعد أسابيع قليلة على انتهاء المعركة، اندلع تمرد عنيف ضد الفرنسيين في الجزائر، وشكّل هذا التمرد المقدمة الأولى للثورة الجزائرية التي بدأت في العام نفسه واستمرت ثماني سنوات و بينما تمسّك الفرنسيين بشدّة بالجزائر بسبب حاجتهم إلى تحقيق نصر ما يعوّض لهم هيبتهم المفقودة في «ديان بيان فو» و ساهم ذلك فى اطالة امد الصراع فى الجزائر و ارتفاع اعداد الضحايا

شكّلت «ديان بيان فو» أول هزيمة عسكرية للغرب بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تنته الأزمة الفييتنامية والحرب الباردة بانتهاء تلك المعركة، بل كانت «ديان بيان فو» إحدى حلقاتها. فقد تكرر المشهد نفسه مع الولايات المتحدة الأميركية التي حاولت تجنيب نفسها الانغراس فى ازمة فييتنام في العام 1954، لكنّها انغمست في حرب طويلة الأمد هناك بين 1968و 1975. انتهت تلك الحرب بفشل الولايات المتحدة وخسارتها ما يقارب 57 ألف قتيل وأكثر من 153 ألف جريح و587 أسيرًا، فكانت تلك المعركة من أهم معارك القرن العشرين، وشكلت رمزًا لحرب التحرير الوطنية ومحفزًا قويًا لقوى التحرر حول العالم.


Thursday, February 22, 2018

حرب العقول و القلوب : عمليات مكافحة التمرد فى ايرلندا الشمالية 1968- 1998

نشأ اغلب جيل الثمانينات على اخبار العنف فى ايرلندا الشمالية فى نشرات الاخبار و قد كنا نتعجب كنا لماذا يقاتل اولئك الانجليز بعضهم البعض فهم ليسوا ( فلسطينين و اسرائيليين ) و عندما نضجنا بما يكفى لاستيعاب عناصر الصراع كان قد انتهى 
و لكن اليوم نعود له مجددا ليس كاطفال امام شاشات التلفاز بل لتحليل كيف استطاعت الحكومة و الجيش البريطانى انهاء ذلك الصراع المرير علنا نخرج بدروس يمكن تطبيقها فى واقعنا

لم يكن الصراع فى ايرلندا الشمالية وليد اللحظة فمنذ استقلال جمهورية ايرلندا عن بريطانيا العظمى عام 1921 بعد حرب الاستقلال الايرلندية و انضمام 26 مقاطعة للجمهورية الوليدة بينما ابقت 6 مقاطعات شمالية ( يطلق على تلك المقاطعات اولستر Ulster كما نطلق فى مصر لفظ الوجه البحرى على محافظات الدلتا ) على ولائها للتاج البريطانى لتكون منطقة حكم ذاتى تحت الحكم البريطانى
و بينما كانت الجمهورية الايرلندية مكونة بالاغلب من الكاثوليك كانت ايرلندا لشمالية مكونة من اكثرية بروتستانتية موالية للتاج البريطانى و اقلية كاثوليكية تعانى من ظلم و فقر و عدم عدالة فى التمثيل النيابى و حرمان من مشاريع السكن الحكومة و الوظائف و تحرشات الشرطة المحلية ( كونستابلية اولستر الملكيةRoyal Ulster Constabulary ) التى تتكون بالاغلب من البروتستانت

و كما نرى لم يعدم الوضع من عوامل اندلاع العنف و لم يتطلب الامر سوى الشرارة الاولى بخروج مظاهرات مطالبة بالحقوق المدنية و المشكلة من جمهوريين الكاثوليك و اذ سير الموالون لبريطانيا ايضا مظاهراتهم فكان الصدام حتميا بين الطرفين عام 1969 لتتحول التظاهرات لحرب شوارع بين الكاثوليك و الشرطة و المدنيين البروتستانت فيما عرف بمعركة البوجسايد Battle of the Bogside و قد اشعلت الحرائق فى منازل الكاثوليك و اطلقت الشرطة المحلية النيران من الاسلحة الالية على المحتجين مما جعل الكثير من الكاثوليك يرحبون بعمليات الحركة المسلحة ( الجيش الجهورى الايرلندى IRA Irish republican army ) ضد الشرطة و الجيش البريطانيين و الموالين لهم 
و على الجانب الاخر يستدعى الجيش البريطانى لحفظ الامن و تتكون وحدات من المليشيا البروتستانتية تحت اسماء ( اتحاد الستر الدفاعى Ulster Defence Association (UDA) – و قوة متطوعين اولستر Ulster Volunteer Force (UVF)

و خلال الصراع الممتد لما يقرب من الثلاثين سنة قام كل الاطراف بعمليات قتل على الهوية و اطلاق نار على المدنيين فى التظاهرات و عمليات تفجير متبادلة و اغتيالات حتى انتهى الجميع لاتفاق الجمعة العظيمة Good Friday Theعام 1998 و القاضى بنبذ العنف و تقاسم السلطة بين الاطراف المتحاربة و حل جهاز الشرطة المتورط فى العنف و امكانية عقد استفتاء لانضمام ايرلندا الشمالية لجمهورية ايرلندا فى اى وقت دون اعتراضات بريطانية ليعود الهدوء النسبى لمدن ايرلندا الشمالية و لو مؤقتا 
و كحصيلة نهائية اسفر الصراع فى ايرلندا الشمالية على مر الثلاث عقود عن مصرع 3500 فرد و اصابة 50,000 اخرين اغلبهم من المدنيين من الطرفين و تلك الارقام تعتبر كبيرة مقارنة بتعداد ايرلندا الشمالية حينها البالغ 1.5 مليون نسمة

و هنا السؤال هل لعب الجيش البريطانى و اجهزته الاستخبارية الدور المناسب كقوة محاربة للتمرد و هل كان اتفاق السلام تكليلا لمجهوداتهم ام وقعوا فى نفس اخطاء الجيوش النظامية فى محاربة رجال العصابات ؟

كقاعدة عامة فعمليات مكافحة التمرد الحديثة لا تعترف بالحل العسكرى فقط بس هى مجهود مشترك بين كافة اجهزة الدولة بما فيها الاجهزة الامنية و العسكرية و الاستخبارية 
ففى بداية الاحداث ادى لجوء البريطانيين للحل الامنى منفردا لتأزم الصراع حيث اطلقت شرطة اولستر الملكية النار على المتظاهرين و وقع بينهم قتلى منهم نساء و اطفال ابرياء و احرقت بلوكات كاملة من المنازل بمعرفة الشرطة او المليشيات البروتستانتية و فى احد الاحداث اطلقت الشرطة النيران من مدفع الى على كنيسة مسببة وفيات بين المدنيين مما ادى اتصاعد التأييد للجيش الجمهورى الايرلندى حيث قدر ان نصف الكاثوليك فى ايرلندا الشمالية يتعاطفون مع الحركة و ربعهم يود فعليا تقديم مساعدات جدية لهم

و عند انتشار الجيش البريطانى فى ايرلندا الشمالية و الذى وصل تعداده فى اقصاه الى 27000 جندى موزعين على 100 موقع فقد اتبع فى البداية اساليب مشابهة لما استخدمتها الشرطة حيث استمر التصادم العنيف مع المتظاهرين و اطلاق النار العشوائى و التوسع فى الاحتجاز دون تهمة و التعذيب من اجل المعلومات و ما زاد الطين بلة سوء عملية جمع المعلومات و تنافس الوكالات الاستخبارية المختلفة بدلا من تعاونها مما منح الجيش الجمهورى الايرلندى المزيد من التأييد و مكنه من تسديد ضربات موجعة للجيش البريطانى اما بالاغتيالات او بعمليات التفجير او باستهداف الجنود الايرلنديين المنتهية خدمتهم فى القوات المحلية و الاختفاء مجددا وسط المدنيين

و لمواجهة تلك الخسائر وجب على الجيش البريطانى تغيير استراتيجيته فى التعامل مع ( المشاكلThe troubles ) كمان كان يطلق على الصراع فى ايرلندا الشمالية كلفظ الغرض منه تهوين الموقف للرأى العام
و يمكن تلخيص اسباب التخبط البريطانى فى بداية النزاع فى ايرلندا الشمالية فى اربع نقاط و هى :
1-عدم الاهتمام بمعالجة جذور المشكلة و الاكتفاء بالحل الامنى 
2-التوقعات الغير واقعية كانهاء الصراع فى اقل وقت ممكن 
3-الفشل الاستخبارى 
4-غياب العمليات السرية التكتيكة 
و فى بحثنا هذا سنترك اول نقطتين لانهم بالاكثر متعلقين بسياسة الدولة و اسلوب تفكير صناع القرار و سنركز فى الاكثر على العمل الاستخبارى و استغلال العمليات التكتيكة السرية

اولا الجانب الاستخبارى : 
مما لا شك فيه ان كان الجانب الاستخبارى هاما فى الحروب التقليدية الا انه يتقدم لموضع الصدارة فى حروب مكافحة التمرد حيث ينشط المتمردون وسط محيط من المدنيين , الابرياء او المتعاونين معهم على حد سواء , و لذلك وجب الاهتمام الشديد بعملية جمع المعلومات كما او كيفا 
و هنا كانت اجهزة الامن البريطانية المختلفة فى موضع صعب فلم تنقصها الكفاءات او الموارد بس كان اول تحدياتها هو اهم مميزاتها , الوفرة 
حيث تنافست فى ايرلندا الشمالية عدة اجهزة جمع معلومات تابعة لعدة هيئات فى الجيش و الشرطة و الاستخبارات ( المكتب الخامس MI5, المكتب السادس MI6 , الوحدات الامنية و ادارة الخدمات السرية ) و لكن دون تنسيق بين كل تلك الجهات بحيث امكن لعميل واحد ان يتقاضى مقابل نفس المعلومة من عدة اجهزة فى ان واحد ولا يعلم احدهم بتعاونه مع الاخرين مما ادى لتكدس المعلرومات المكررة و المغلوطة و بطئ تمرير المعلومات الى الوحدات فى الشوارع مسببا خسائر كبيرة فى الارواح و المعدات فعلى سبيل المثال اهدرت القوات الجوية الخاصة SAS قدراتها بالعمل كدوريات و حواجز طرق و التى يمكن ان تقوم بها وحدات المشاة التقليدية بينما تتفرغ القوات الخاصة لعمليات اهم تناسب تدريبها المكثف على الاغارة و الكمائن و ادى تأخير المعلومات عن التفجيرات المحتملة و اسلوب صنع القنابل لضياع ارواح خبراء المفرقعات

و لتجاوز تلك الازمة انشأ الجيش البريطانى ( مجموعات التكليف و التنسيقTasking and coordination groups(TCGs) ) كجهة نهائية تصب فيها كل المعلومات الاستخبارية من كافة الاجهزة و عملائها فى الشوارع ليتم فرزها و تحليلها و توجيهها للمكان الصحيح عن طريق بناء قواعد ملعومات كمبيوترية بالتواريخ و الاشخاص و الصور و توقيتات المشاهدة و موقعها و مع ربط المواقع المتقدمة بنظام الكمبيوتر امكن تبادل المعلومات بين الوحدات على الارض و القيادة فى سرعة بمجرد الابلاغ عن النشاط المشبوه و التوجيه للرد الامثل

اما ثانى التحديات فكان فى الحصول على المعلومة من الاساس , ففى بداية الصراع لم تمتلك الاجهزة الاستخباراتية البريطانية عملاء مؤثرين داخل الجيش الجمهورى الايرلندى او شبكة دعاميه من المدنيين ليمدوها بما يطلق عليه ( المعلومات عالية الجودة High grade intelligence ) و التى ساهمت فى تصفية حركات تمرد اخرى و بالاخص التى اعتمدت على النظام القيادى الهرمى حيث يكفى انشقاق فرد واحد لكشف التنظيم كاملا و لكن ذلك لم يكن هم النظام المطبق فى الجيش الجمهورى الايرلندى حيث اعتمد اسلوب الخلايا العنقودية المتفرقة 
فلذلك وجب على البريطانيين التحلى باهم صفات وحدات مكافحة التمرد و هى المرونة , حيث رأى قادة الجيش الاهتمام بجمع ( المعلومات منخفضة الجودة low grade intelligence ) و شددوا على ان يكون كل الجنود و الضباط فى الشوارع عيون و اذان و ليس فقط قوات حفظ امن , فبحكم سيرهم المستمر فى دوريات و عبورهم نفس الشوارع و ملاقاتهم لنفس الناس كل يوم كونوا خبرة بما هو معتاد و بما هو لافت للنظر فكلما عادت دورية لقاعدتها و بعد نيل قسط صغير من الراحة يتم الجلوس فى حلقة نقاش لتفريغ كل ملاحظات افراد الدورية و ارسالها لوحدات الاستخبارات لتحليلها و بتراكم الملاحظات الصغيرة تحولت لمعلومات عالية الجودة 
و لكن ذلك لم يكن كافيا , فمع انتهاء فترة خدمات الوحدات و عودتها لارض الوطن و مجئ وحدات جديدة ليس لها خبرة فى الشارع تضيع القدرة على جمع المعلومات و تبدأ العملية من الصفر و لتفادى تلك المشكلة تم تبادل المعلومات بين الوحدات الخبيرة و من يحل محلهم قبل استلام مواقعهم ليبدأوا من حيث انتهى زملائهم و فى نفس الوقت اطيلت فترة خدمة ضباط الاستخبارات العسكرية فى مواقعهم للوصول بهم لاقصى درجة من التعود على المكان و الروتين اليومى بصفتهم المسئولين اولا و اخيرا عن جمع المعلومات

و لجعل عملية تناقل الخبرات اكثر منهجية كون الجيش البريطانى ( فريق ايرلندا الشمالية للاستشارات و التدريب Northern Ireland Training and Advisory Team (NITAT), ) و مهمة ذلك الفريق تلقين و تدريب كافة القوات المتوجهة للخدمة فى ايرلندا الشمالية على كل ما يتعلق باساليب قتال المتمردين و بناء تنظيماتهم و الظروف الاجتماعية و السياسية فى مناطق الخدمة و قواعد الاشتباك و نوعية العمليات التى يقوم بها الجيش لتصل الوحدات مزودة باحدث المعلومات عن منطقة عملياتها و روعى تحديث معلومات معلمى الفريق باحدث التطورات و المعلومات و البرامج التليفزيونية الواردة من مناطق الصراع لتكون الدورات التعريفية اقرب ما يكون للواقع

و على الجانب الاخر اهتمت قيادة الجيش البريطانى بتكوين علاقات ودية مع المواطنين و تشجيعهم على الادلاء بالمعلومات اما عن طريق خطوط هاتفية مؤمنة او عن طريق التواصل المباشر مع القوات المنشرة فى الشوارع و نبهت على قوات الاكمنة و الدوريات على ان يكون التعامل ( بحزم و ليس بعنف ) و هنا لعب عامل اللغة المشتركة دورا واضحا فى سهولة الادلاء بالمعلومات خصوصا مع ازدياد التململ الشعبى مع كل عملية دامية ضد المدنيين يقوم بها الجيش الجمهورى الايرلندى و التى سبب البعض منها صدمات حتى لمؤيديه 
و مع تبين اهمية الاهتمام بتحسين صورة الجيش فى الراى العام المحلى حيث توجد مقولة هامة فى ادبيات مكافحة التمرد ( ينبغى الا تقوم القوات النظامية بفظائع اكثر مما يرتكبه المتمردون ) حيث ينحاز الاهالى للمتمردين تلقائيا ان وجدوهم اكثر رحمة بهم و فقد تم تحجيم عمليات اغلاق الاحياء و المحاصرة و التفتيش من منزل لمنزل و الاعتقال العشوائى و الاحتجاز دون تهمة لفترات طويلة و التعذيب لانتزاع المعلومات ( بالرغم من ان التعذيب على المدى القصير كان فعالا فى الوصول لمعلومات هامة فى ظل الوضع الضبابى للصراع و لكن كل عملية تعذيب كانت انتصارا سياسيا و دعائيا للجيش الجمهورى الايرلندى ) و لكن مع الاعتراف ان بان نقاط التفتيش المفاجئة و عمليات الايقاف و التفتيش للمارة قد ساهمت فى الحصول على قدر كبير من المعلومات المطلوبة

2- غياب العمليات السرية التكتيكية : 
مع التاكد من ان المواجهة المباشرة و المعارك الفاصلة لم تكن الطريق الامثل فى حرب طويلة كعادة حروب مكافحة التمرد فقد لجأت اجهزة الاستخبارات البريطانية لاستخدام طرق المراقبة الحديثة و اتباع المرونة الشديدة فى معالجة المعلومات 
كوضع نقاط مراقبة ( ( observation posts فى شكل شقق سكنية بداخل الاحياء الملتهبة او مجاورة للبنايات المشكوك فى امرها لمراقبة الروتين اليومى للحياة و اكتشاف اى تحركات مريبة و زودتهم بمعدات تقنية للمراقبة ليلا و نهارا و لكن تلك الفكرة فقدت سريتها فى الاحياء السكية حيث يعرف الجميع بعضهم و يمكن دائما التعرف على الغرباء المترددين على تلك الشقق فتم للجوء لتكوين فرق متخصصة فى التتبع و المراقبة على الاقدام او استخدام وسائل التتبع اللاسلكية و طائرات الحرب الاليكترونية لالتقاط الاتصالات و التصوير الجوى و استخدام الكاميرات لصنع بنك لصور المشتبه بهم للتعرف عليهم مستقبلا او مواجهة المعتقلين بهم و ( تعليم ) شحنات الاسلحة و المتفجرات باجهزة تتبع و تصنت و مراقبة خط سيرها و تقلاتها عبر البيوت الامنة للجيش الجمهورى الايرلندى

اما بالنسبة للمرونة فقد تمثلت اولا فى معالجة المعلومات الواردة من المرشدين و العملاء فى الشارع فقد كان من الاسلم عدم التحرك الفورى بناءا على المعلومة مما قد يعرض حياة المرشد للخطر بل الاستمرار فى مراقبة الشخص او البناية لحين الوصول لاكبر قدر من المعلومات و ترتيب الاغارة بما يكفل تحقيق النجاح الكامل و تقليل الخسائر فى افراد القوة المهاجمة و المرشدين على حد سواء 
اما ثانيا فمع الخبرة باسلوب عمل الجيش الجمهورى الايرلندى تم استنباط طرق مبتكرة لاحباط الهجمات 
فمثلا ان علمت اجهزة الامن بنية المتمردين اغتيال شخص ما فى منزله فانهم ان وضعوا كمين لشرطة المرور لفحص رخص القيادة بجانب بيت الهدف فسوف يصرف الارهابيون النظر عن مهاجمته و ان تم افتعال حادثة تصادم فى طريق احدى المجموعات المتوجهة للهجوم و جاءت الشرطة لمحل الحادث فقد يعودوا ادراجهم بما معهم من متفجرات حيث ينتظرهم كمين من رجال الامن فى مكان امن 
و مع التغيير المستمر فى حركة الدوريات و مواقع نقاط التفتيش و غيرها من الاهداف العسكرية اخل الجيش بخطط المتمردين و حرمهم من الترتيب لهجمات دقيقة و مع تلك التصرفات ( السخيفة ) امكن اضاعة الكتير من الوقت و المجهود المنصرفين فى التخطيط للعمليات الارهابية على لا شئ

الخاتمة :

لم تنه القوة العسكرية الصراع فى ايرلندا الشمالية بنصر مبين للبريطانين و الموالين لهم اذ استمر الجيش الجمهورى الايرلندى فى الوجود و اضطر الجانبين لتشارك السلطة و تقديم التنازلات فى اتفاق الجمعة العظيمة لكن ما نجح فيه البريطانيون هو تمكنهم بشكل او اخر من تحجيم نشاطات الجيش الجيش الجمهورى الايرلندى مثلا ففى عام 1972 وحده لقى 103 جندى بريطانى مصرعهم لينخفض العدد ل 96 جندى فى عقد الثمانينات كاملا مما احبط المتمردين و جعل الحل السلمى اقرب لطاولة المفاوضات من الاستمرار فى صراع خاسر 
طرحت عمليات مكافحة التمرد فى ايرلندا الشمالية فكرة ( الحروب الطويلة ) حيث لا يقاس التقدم فيها بعدد المعارك الفاصلة او بمساحات الارض المحتلة و لكن بخسائر المتمردين من رجال و عتاد و الذين ليس من الممكن تعويضهم بسهولة و اكدت على ان الصفات الاكثر اهمية فى تلك الصراعات هى الصبر و الانضباط و المرونة و العمل على انهاء الصراع بالعمل على عدة جبهات مدنية و عسكرية بينما ينحصر العمل العسكرى فى تضييق خيارات العدو لدفعه للتنازل و التفاوض و ليس لانهاء الصراع كليا


Saturday, November 11, 2017

حرب العقول و القلوب : النصر على العصابات الشيوعية فى الملايو

اثناء بحثنا فى تاريخ حروب العصابات و العمليات المضادة لها وجدنا ان امثلة الفشل فى مواجهة خطر الحروب الغير نظامية بارزة و متكررة ربما اكثر من امثلة النجاح فعندما تذكر عمليات مكافحة التمرد تذكر فى الاغلب ( فيتنام , كوبا , افغانستان , العراق ) و غيرها من امثلة المستنقعات التى غاصت فيها الدول العظمى حتى العنق
و لكن توجد ايضا امثلة و ان كانت قليلة للنجاح و قد احتفظت بريطانيا باعلى رصيد فى العمليات الناجحة لمكافحة التمرد سواء فى الملايو , ايرلندا الشمالية او حتى قدرتها على فرض الهدوء على مدينة البصرة العراقية بعد غزو العراق
فما هى ( تركيبة بريطانيا السحرية ) ؟
فالنبدأ بازمة الملايو The Malayan Emergency

اعتبرت شبه جزيرة الملايو ( ماليزيا حاليا ) من اكبر مصدرى المطاط الطبيعى و القصدير اللازمين للصناعات قد ادرت تلك الصادرات على الادارة و ملاك المزارع البريطانيين عائدات ضخمة منذ وقوع الملايو تحت الحكم البريطانى فى اواسط القرن ال 18
و لكن عندما بدأ الهجوم اليابانى على جنوب شرق اسيا فى الحرب العالمية الثانية اضطرت بريطانيا للانسحاب من الملايو و اشرفت على تدريب عناصر من الاهالى كقوات مقاومة شعبية ضد اليابانيين و بعد انتهاء الحرب عاد الحكم البريطانى للملايو و هنا اضطرت لمواجهة نوعية جديدة من المشاكل
فالملايو مقاطعة متعددة العرقيات و قد تنامى العداء ما بين الاهالى اللاصليين للملايو و المهاجرين الصينيين الاكثر فقرا و تهميشا مما دفع اولئك المهاجرين للانتظام فى احزاب و اتحادات عمالية للدفاع عن حقوقهم و بدات الحركة الشيوعية تنمو فى الملايو مسببة اضطرابات و اشتباكات بين الاهالى الاصليين و السكان الصينيين مما دفع الحكومة البريطانية لحل الحزب الشيوعى فى الملايو و تعطيل الحياة الحزبية و الى اخره من الاجراءات البوليسية

فلم يجد الشيوعين الا ان ينظموا فى قوات من رجال العصابات تحت اسم ( الجيش الوطنى لتحرير الملايو ) و الذى يضم عناصر شاركت فى القتال ضد القوات اليابانية ( و للمفارقة تحت تدريب و اشراف بريطانى ) و اتجهوا للادغال و للقرى التى يتركز فيها مؤيدوهم من السكان الفقراء ذوى الاصل الصينى و بدات عام 1948 سلسلة من المعارك و عمليات التخريب و الاغتيالات للمزارعين و القوات البريطانية فى الملايو فيما عرف عالميا ب ( حادثة الملايو The Malayan emergency ) و لم يطلق عليها كلمة حرب لان شركات التأمين البريطانى لن تسدد تعويضات للمزارعين فى حالة وقوع ممتلكاتهم فى نطاق الحروب

كان الرد البريطانى نموذجيا حيت بدات فى عمليات تمشيط للغابات و اعتقال واسع للمشتبه بهم و غارات جوية عنيفة و رش المبيدات لازالة المساحات المنزرعة و استخدمت اساليب من التعذيب و الترهيب للسكان فيما لا يختلف كثيرا عن سلوكيات المتمردين و حتى بعد ارسال تعزيزات للقوات البريطانية فى الملايو لم يحدث تغيير فى الوضع جيث افتقدت قوات الكومنولث للمعلومات و المعرفة بالارض بينما تفوق المتمردون فى ذلك المجال حتى عين الجنرال السير هارولد بريجز قائدا للعمليات عام 1950 و الذى قرر تغيير اسلوب العمل فى حادثة الملايو
حيث طلب من االمفوض السامى البريطانى السير هنرى جورنى ضم كل المؤسسات الرسمية البريطانية فى الملايو فى غرفة عمليات واحدة لتنسيق رد موحد ضد عمليات المتمردين و ترك للشرطة المحلية و الفرع الخاص مسئولية جمع المعلومات
و بدأ فى فكرة ( القرى الجماعية ) حيث تم نقل السكان ذوى الاصل الصينى من الادغال و مناطق سيطرة المتمردين الى قرى مسورة شديدة التأمين لقطع الاتصال بينهم و منع انضمام عناصر جديدة للمتمردين او امدادهم الغذاء او المعلومات و استخدم العقاب الجماعى لسكان تلك القرى فى بعض الاوقات ان تم التأكد من تعاملهم مع المتردين و لكن مع العصا اتت الجزرة حيث تمت زيادة الرعاية الطبية و الاجتماعية للسكان فى القرى الجديدة لمحاولة كسب ودهم
و بالرغم من ان انشاء ذلك العدد من القرى ( 500 قرية لاحتواء 400000 مواطن ) استغرق وقتا و جهدا كبيرين الا انه تم اعتقال او قتل اعداد من المتمردين اثناء محاولتهم البحث عن الامدادت و المعاونة بالقرب من تلك القرى و بالرغم من ذلك استمرت المعارك و ان كان بوتيرة اقل

يوم 6 اكتوبر 1951 اغتيل المفوض السامى البريطانى السير هنرى جونرى و حل محله كقائد للعمليات و مفوض سام فى نفس الوقت الجنرال السير جيرالد تامبلر الذى استمر فى سياسة سلفه الهادئة فى كسب عقول و قلوب السكان و زيادة الاهتمام بالمهمشين و وعد الشعب فى الملايو بالاستقلال فور هزيمة المتمردين و اعطاء الجنسية للسكان الصينيين و اجراء انتخابات محلية مما اكسبه دعما من القوميين
و قدر راعى الجنرال تامبلر ادماج الاهالى المحليين فى الحرب ضد المتمردين حيث زاد من حجم الكتائب المكونة من السكان الملاويين و اعطى لهم مسئولية تامين القرى الجديدة مما سبب انشقاقا بينهم و بين المتمردين و عندما ترك تامبلر منصبه عام 1954 كانت الملايو شبه مستقرة بالكامل و قد رقى لرتبة المشير عام 1956

بدأت سياسات تامبلر تأتى بثمارها حيث تدفقت المعلومات على اجهزة الامن البريطانية و ارتفع مستوى تدريب الجنود البريطانيين و جنود الكومنولث فى حروب الادغال و استخدمت تكتيكات اكثر دقة و فاعلية فى استهداف المتمردين و اخلاء مناطق الادغال تدريجيا و بالكامل منهم و تعريفها بالمناطق البيضاء و تشجيع السكان على العودة مع تحفيزهم على عدم التعاون مع المتمردين مستقبلا مع دعم قوة الشرطة المحلية ب 40 الف عنصر و بالتالى انخفضت العمليات ضد البريطانيين بنسبة  80% عن ما قبل البدأ فى خطة بريجز و تامبلر

و مع حصول الملايو على الاستقلال عام 1957 و اصرار المتمردين على القتال ضد الحكومة المحلية انخفض الدعم المحلى لهم حتى فر او اعتقل او استسلم اغلبهم و اعلن انتهاء ( حادثة الملايو) عام 1960 مخلفة 500 قتيل من الجيش البريطانى و 1300 من الشرطة المحلية و 6000 قتيل مع 1200 اسير من المتمردين فيما يعتبر احد العمليات القليلة الناجحة فى حروب مكافحة التمرد عبر التاريخ

الصور : 
جنود من الكومنولث مع اعلام شيوعية كغنائم من المتمردين - قرية جماعية من التى تم تهجير الاهالى اليها لعزل المتمردين



Tuesday, July 18, 2017

ابيض و اسود : الفوج 54 متطوعين ماساتشوستس

مساء يوم 18 يوليو 1863 اثناء الحرب الاهلية الامريكية استعد اول فوج من المتطوعين الامريكيين السود للهجوم على ( حصن واجنر ) التابع للقوات الكونفيدرالية 
بس عشان نفهم ايه اللى حصل حنرجع لورا شوية

فى فبراير 1863 حاكم ولاية ماساتشوستس الامريكية و واحد من اكبر معادين تجارة العبيد جون اندرو قرر انه يكون فوج من الجنود السود من العبيد المحررين او اللى اساسا احرار عشان يشاركوا فى المعارك ضد القوات الجنوبية رغم ان ناس كتير حتى فىا لشمال كانت لا تثق فى قدرة الزنجى على حمل السلاح او قيادة الجيوش لكن اندرو قبل المخاطرة
كان اول عائق قدامه ان ولايته اساسا مفيهاش زنوج , لكن اول ما اعلن عن نية تكوين الفوج 54 مشاة اتطوع 1000 من الزنوج الاحرار لدرجة منهم اللى جه من كندا عشان ينضم للفوج 

اما تانى عائق مين اللى يقود الناس دى ؟؟؟ 
لقى شاب عنده 25 سنة و خريج جامعة هارفارد و من عيلة مرموقة و مشهورة بكراهيتها للعبودية اسمه الكولونيل روبرت جولد شو و اداله قيادة الفوج الحديث التكوين
شو كان مثال للانسان المحترم اللى مبيفرقش فى المعاملة بين البيض و السود اللى تحت قيادته لدرجه انه و جنوده رفضوا استلام مرتباتهم لما لقوا ان الجيش بيقبض الجندى الابيض 13 دولار و الزنجى 10 دولار و لما القائد المباشر ليه طلب منه هو و جنوده المشاركة فى نهب مدينة جنوبية رفض و قدم طلب لقائد الجيش انه يشارك فى اول معركة قادمه لانه مش بيقود مجموعة لصوص لكن جنود محترفين

و اول معركة كانت الهجوم على ( حصن فاجنر ) و دا كان عبارة عن موقع حصين جدا مليان مدافع و فوق تلة بيحمى مدخل النهر المؤدى لتشارلزتاون عاصمة الجنوب و الجنوبيين كانوا مصميين على الدفاع عنه لاخر لحظة 
جمع شو 600 من جنوده و فهمهم هدف الهجوم و طلب منهم انهم يثبتوا نفسهم قدام كل من شكك فى جدراتهم و اول ما الليل جه قاد شو شخصيا الهجوم على الحصن قدام رجالته لكن اللى ميعرفهوش ان جوة الحصن 1700 جندى جنوبى مسلحين بالمدفعية و بالرغم من دا تسلق جنود الفوج التلة اللى عليها الحصن و اشتبكوا فى معركة عنيفة لحد ما قتل منهم 81 جندى و جرح او فقد حوالى نصف قوة الفوج و على راسهم الكولونيل الشاب روبرت شو

الجنوبيين بعد انتهاء المعركة لموا الجثث بما فيها جثة شو و رموهم فى قبر جماعى و قال قائد الحصن لطبيب الفوج الاسير ( انه لو كان شو قائد على جنود من البيض كان دفن بكافة الاحترام لشجاعته و لكن عشان هو قائد لزنوج فحيترمى معاهم فى نفس القبر ) 
و بالرغم من نصر الجنوبيين الا ان فى المعركة دى خسروا اعداد كبيرة من الجنود و دا اضطرهم لاخلاء الحصن و الانسحاب منه بعدها بفترة قصيرة اما باقى الفوج 54 اشترك فى معارك ناجحة لحد نهاية الحرب
و بعد انتهاء الحرب و استسلام الجنوب الجيش الامريكى حب يطلع جثة شو و يدفنه باحترام لكن والده رفض و قال ان مكانه مع رجاله اللى احبهم و حارب معاهم و بالتالى نقلت كل الرفات للمقبرة العسكرية فى بيوفورت بكارولينا الجنوبية و اتحطت فى قبور عليه شواهد ( جنود مجهولين )

قصة اخيرة , الجندى وليام كارنى من القوج 54 متطوعين ماساتشوستس كان اول امريكى اسود ياخد ميدالة الشرف العسكرية لانه رجع بعلم فرقته من الهجوم على حصن واجنر بعد مقتل حالم العلم و رغم اصابه كارنى ب 4 طلقات و رفض تسليمه لاى جندى الا لما لقى احد زملاءه فى الناجين من الفوج و قاله ( هذا العلم لم يلمس الارض يا شباب )
الزتونة : 
مش مهم العالم كله شايفك ازاى دلوقتى , المهم وقت الاختبار حتعمل ايه و ساعتها ابيض , اسود , اخضر مش حتفرق المهم النتيجة 
و شكرا

الصور : ( الكولونيل روبرت جولد شو قائد الفوج 54 متطوعين ماساتشوستس - معركة فورت واجنر و سقوط شو فى مقدمة جنوده - الجندى وليام كارنى اول امريكى اسود يحصل على ميدالية الشرف العسكرية )