Saturday, November 11, 2017

حرب العقول و القلوب : النصر على العصابات الشيوعية فى الملايو

اثناء بحثنا فى تاريخ حروب العصابات و العمليات المضادة لها وجدنا ان امثلة الفشل فى مواجهة خطر الحروب الغير نظامية بارزة و متكررة ربما اكثر من امثلة النجاح فعندما تذكر عمليات مكافحة التمرد تذكر فى الاغلب ( فيتنام , كوبا , افغانستان , العراق ) و غيرها من امثلة المستنقعات التى غاصت فيها الدول العظمى حتى العنق
و لكن توجد ايضا امثلة و ان كانت قليلة للنجاح و قد احتفظت بريطانيا باعلى رصيد فى العمليات الناجحة لمكافحة التمرد سواء فى الملايو , ايرلندا الشمالية او حتى قدرتها على فرض الهدوء على مدينة البصرة العراقية بعد غزو العراق
فما هى ( تركيبة بريطانيا السحرية ) ؟
فالنبدأ بازمة الملايو The Malayan Emergency

اعتبرت شبه جزيرة الملايو ( ماليزيا حاليا ) من اكبر مصدرى المطاط الطبيعى و القصدير اللازمين للصناعات قد ادرت تلك الصادرات على الادارة و ملاك المزارع البريطانيين عائدات ضخمة منذ وقوع الملايو تحت الحكم البريطانى فى اواسط القرن ال 18
و لكن عندما بدأ الهجوم اليابانى على جنوب شرق اسيا فى الحرب العالمية الثانية اضطرت بريطانيا للانسحاب من الملايو و اشرفت على تدريب عناصر من الاهالى كقوات مقاومة شعبية ضد اليابانيين و بعد انتهاء الحرب عاد الحكم البريطانى للملايو و هنا اضطرت لمواجهة نوعية جديدة من المشاكل
فالملايو مقاطعة متعددة العرقيات و قد تنامى العداء ما بين الاهالى اللاصليين للملايو و المهاجرين الصينيين الاكثر فقرا و تهميشا مما دفع اولئك المهاجرين للانتظام فى احزاب و اتحادات عمالية للدفاع عن حقوقهم و بدات الحركة الشيوعية تنمو فى الملايو مسببة اضطرابات و اشتباكات بين الاهالى الاصليين و السكان الصينيين مما دفع الحكومة البريطانية لحل الحزب الشيوعى فى الملايو و تعطيل الحياة الحزبية و الى اخره من الاجراءات البوليسية

فلم يجد الشيوعين الا ان ينظموا فى قوات من رجال العصابات تحت اسم ( الجيش الوطنى لتحرير الملايو ) و الذى يضم عناصر شاركت فى القتال ضد القوات اليابانية ( و للمفارقة تحت تدريب و اشراف بريطانى ) و اتجهوا للادغال و للقرى التى يتركز فيها مؤيدوهم من السكان الفقراء ذوى الاصل الصينى و بدات عام 1948 سلسلة من المعارك و عمليات التخريب و الاغتيالات للمزارعين و القوات البريطانية فى الملايو فيما عرف عالميا ب ( حادثة الملايو The Malayan emergency ) و لم يطلق عليها كلمة حرب لان شركات التأمين البريطانى لن تسدد تعويضات للمزارعين فى حالة وقوع ممتلكاتهم فى نطاق الحروب

كان الرد البريطانى نموذجيا حيت بدات فى عمليات تمشيط للغابات و اعتقال واسع للمشتبه بهم و غارات جوية عنيفة و رش المبيدات لازالة المساحات المنزرعة و استخدمت اساليب من التعذيب و الترهيب للسكان فيما لا يختلف كثيرا عن سلوكيات المتمردين و حتى بعد ارسال تعزيزات للقوات البريطانية فى الملايو لم يحدث تغيير فى الوضع جيث افتقدت قوات الكومنولث للمعلومات و المعرفة بالارض بينما تفوق المتمردون فى ذلك المجال حتى عين الجنرال السير هارولد بريجز قائدا للعمليات عام 1950 و الذى قرر تغيير اسلوب العمل فى حادثة الملايو
حيث طلب من االمفوض السامى البريطانى السير هنرى جورنى ضم كل المؤسسات الرسمية البريطانية فى الملايو فى غرفة عمليات واحدة لتنسيق رد موحد ضد عمليات المتمردين و ترك للشرطة المحلية و الفرع الخاص مسئولية جمع المعلومات
و بدأ فى فكرة ( القرى الجماعية ) حيث تم نقل السكان ذوى الاصل الصينى من الادغال و مناطق سيطرة المتمردين الى قرى مسورة شديدة التأمين لقطع الاتصال بينهم و منع انضمام عناصر جديدة للمتمردين او امدادهم الغذاء او المعلومات و استخدم العقاب الجماعى لسكان تلك القرى فى بعض الاوقات ان تم التأكد من تعاملهم مع المتردين و لكن مع العصا اتت الجزرة حيث تمت زيادة الرعاية الطبية و الاجتماعية للسكان فى القرى الجديدة لمحاولة كسب ودهم
و بالرغم من ان انشاء ذلك العدد من القرى ( 500 قرية لاحتواء 400000 مواطن ) استغرق وقتا و جهدا كبيرين الا انه تم اعتقال او قتل اعداد من المتمردين اثناء محاولتهم البحث عن الامدادت و المعاونة بالقرب من تلك القرى و بالرغم من ذلك استمرت المعارك و ان كان بوتيرة اقل

يوم 6 اكتوبر 1951 اغتيل المفوض السامى البريطانى السير هنرى جونرى و حل محله كقائد للعمليات و مفوض سام فى نفس الوقت الجنرال السير جيرالد تامبلر الذى استمر فى سياسة سلفه الهادئة فى كسب عقول و قلوب السكان و زيادة الاهتمام بالمهمشين و وعد الشعب فى الملايو بالاستقلال فور هزيمة المتمردين و اعطاء الجنسية للسكان الصينيين و اجراء انتخابات محلية مما اكسبه دعما من القوميين
و قدر راعى الجنرال تامبلر ادماج الاهالى المحليين فى الحرب ضد المتمردين حيث زاد من حجم الكتائب المكونة من السكان الملاويين و اعطى لهم مسئولية تامين القرى الجديدة مما سبب انشقاقا بينهم و بين المتمردين و عندما ترك تامبلر منصبه عام 1954 كانت الملايو شبه مستقرة بالكامل و قد رقى لرتبة المشير عام 1956

بدأت سياسات تامبلر تأتى بثمارها حيث تدفقت المعلومات على اجهزة الامن البريطانية و ارتفع مستوى تدريب الجنود البريطانيين و جنود الكومنولث فى حروب الادغال و استخدمت تكتيكات اكثر دقة و فاعلية فى استهداف المتمردين و اخلاء مناطق الادغال تدريجيا و بالكامل منهم و تعريفها بالمناطق البيضاء و تشجيع السكان على العودة مع تحفيزهم على عدم التعاون مع المتمردين مستقبلا مع دعم قوة الشرطة المحلية ب 40 الف عنصر و بالتالى انخفضت العمليات ضد البريطانيين بنسبة  80% عن ما قبل البدأ فى خطة بريجز و تامبلر

و مع حصول الملايو على الاستقلال عام 1957 و اصرار المتمردين على القتال ضد الحكومة المحلية انخفض الدعم المحلى لهم حتى فر او اعتقل او استسلم اغلبهم و اعلن انتهاء ( حادثة الملايو) عام 1960 مخلفة 500 قتيل من الجيش البريطانى و 1300 من الشرطة المحلية و 6000 قتيل مع 1200 اسير من المتمردين فيما يعتبر احد العمليات القليلة الناجحة فى حروب مكافحة التمرد عبر التاريخ

الصور : 
جنود من الكومنولث مع اعلام شيوعية كغنائم من المتمردين - قرية جماعية من التى تم تهجير الاهالى اليها لعزل المتمردين