Sunday, March 25, 2018

من ديان بيان فو للجزائر : كيف غير النصر الفيتنامى مجريات السياسة فى الشرق الاوسط

فى 13 مارس عام 1954 بدأت معركة ديان بيان فو التى خلدها التاريخ كأول هزيمة واسعة النطاق فى العصر الحديث لجيش غربى على يد امة من الشرق و كان لها من الاثر محليا و دوليا ما جعل ما كتب عنها احد اهم احداث حروب التحرير 
و لكن لنستوعب تماما ذلك الاثر يجب ان نرجع قليلا للوراء , الى نهاية الحرب العالمية الثانية

فعند نهاية الحرب فقدت اليابان كل ما قد احتلته من اراضى القوى الاستعمارية الغربية بما فيها الهند الصينية ( فيتنام ) و التى عادت بعد مطالبات متكررة للسيطرة الفرنسية و لكن لم تستتب الاوضاع لهم كما كان فى السابق اذ طالب الشعب الفيتنامى بالاستقلال تحت قيادة الزعيم الفيتنامى الاشهر ( هو تشى منه ) و بدات حرب الهند الصينية الاولى بين الفرنسيين و الذين ساندتهم الولايات المتحدة الامريكية و الفيتناميين الشماليين ( الفيت منه ) تساندهم الدول الشيوعية كالصين و الاتحاد السوفيتى

و مع استمرار الخسائر و القتال المستمر قرر الفرنسيين فى خطوة جريئة اقامة قاعدة قوية فى اقصى الشمال الغربى الفيتنامى عميقا داخل اراضى العدو لتقطيع اوصال القوات الفيتنامية و حرمانها من حرية الحركة و بالتالى استفزازها لتقوم بهجوم امامى تكون فيه الغلبة للقوات الفرنسية المتفوقة نيرانيا و جويا و اختير لتلك القاعدة منطقة ديان بيان فو المحاطة بالتلال من جميع الاتجاهات و تمركز بها قوة من 13 الف مقاتل من صفوة الوحدات الفرنسية المدربة و جنود المستعمرات و الفيلق الاجنبى و المظليين مزودين بوحدات المدفعية و الهندسة و المدرعات و مدعومين من الطيران الفرنسى القادم من قواعده فى هانوى فى اقصى الشرق 
و خصص للقاعدة مطارين للقيام بعمليات الامداد و التموين و اخلاء الجرحى اذ غاب التهديد الجوى الفيتنامى بالكامل عن مسرح العمليات فلم تهتم القيادة الفرنسية كثيرا بوجود طرق امداد برية لقواتها فى ديان بيان فو فتفوقها الجوى كان ساحقا و خطط ان يكون هو الاساس فى اى عملية مقبلة اذ لم يكن فى القاعدة من الامدادت الا ما يكفيهم ل 8 ايام من القتال

على الجانب الاخر قام الفيتناميون بقيادة الجنرال البارز ( فو نجوين جياب ) باستعدادتهم للهجوم على قاعدة ديان بيان فو فحشد الجنرال جياب حوالى 50 الف جندى و نقلت كميات ضخمة من السلاح و العتاد الحربى و المدفعية و مواد الاعاشة من اقصى الشمال على الحدود الصينية لمنطقة التجهيز للهجوم عبر الجبال و فى الاغلب على ظهور الاف الجنود و المؤيدين من الاهالى او الدرجات الهوائية و حفرت الانفاق و الخنادق بما يتيح للقوات الفيتنامية الاقتراب لاقصى ما يمكن من الفرنسيين و استمر الفيت منه فى تضيق الخناق تدريجيا على القاعدة و اغلاق الطرق البرية المحيطة بها و التحرش باى قوات تخرج منها لاستطلاع الوضع حتى باتت القاعدة فى عزلة تامة عن العالم لولا استمرار العمل فى مطاراتها

و فى يوم 13 مارس من عام 1954 و قبل الموعد المقرر للهجوم الفيتنامى – اذ اكتشف الفرنسيون نية الفيتناميين للهجوم – بدات المدفعية الفيتنامية المنصوبة على الجبال المحيطة بديان بيان فو فى صب حممها على المواقع الفرنسية محدثة دمارا واسعا و ركز القصف على المطارات فعطلت بالكامل و استحال هبوط طائرات الامدادات و عندما لجأ الفرنسيين للاسقاط المظلى تصدت المدفعية الفيتنامية المضادة للطائرات لهم حتى نزل اكثر من المظليين موتى و وقعت المعدات و الاغذية فى مناطق يسيطرعليها الفيتناميون و توالت هجمات الموجات البشرية الفيتنامية على المواقع الفرنسية حتى سقط الكثيرون منهم بين قتيل و جريح و فى نفس الوقت ارتفعت خسائر الفرنسيين بشكل درامى و بينما لم يتعدى الدعم الامريكى بعض الغارات الجوية كان للفيتناميين امداد لا ينضب من الرجال و السلاح و فشل الطيران الفرنسى فى اسكات المدفعية الفيتنامية التى كانت مخباة و محصنة بمهارة فى الجبال

و بعد 56 يوما من القتال العنيف و يوم 7 مايو 1954 انهارت المقاومة الفرنسية بالكامل و اجتاحت القوات الفيتنامية مركز القيادة فى القاعدة و عند الساعة الخامسة و النصف مساءا تم السيطرة على المقر العام و سقوط ديان بيان فو بيد القوات الفيتنامية ، و اعتقال الجنرال دي كاستري و مجموعة القيادة التي تضم 16 عقيد ، 1749 ضابط و ضابط صف ،و حوالي 7 ألاف من قواته

أسفرت هذه المعركة عن نتائج بالغة الأهمية، فبالإضافة إلى الخسائر (1142 قتيلًا و1606 مفقودين و4500 جريح من الفرنسيين، ونحو 20 ألفًا بين قتيل وجريح من الفيتناميين)، أدى انتصار الفيتناميين إلى انتهاء السطوة الاستعمارية الفرنسية في الشرق الأقصى و تشجيع المقاتلين المناوئين للاستعمارعلى المقاومة واشتعال جبهات أخرى ضد الفرنسيين. فبعد أسابيع قليلة على انتهاء المعركة، اندلع تمرد عنيف ضد الفرنسيين في الجزائر، وشكّل هذا التمرد المقدمة الأولى للثورة الجزائرية التي بدأت في العام نفسه واستمرت ثماني سنوات و بينما تمسّك الفرنسيين بشدّة بالجزائر بسبب حاجتهم إلى تحقيق نصر ما يعوّض لهم هيبتهم المفقودة في «ديان بيان فو» و ساهم ذلك فى اطالة امد الصراع فى الجزائر و ارتفاع اعداد الضحايا

شكّلت «ديان بيان فو» أول هزيمة عسكرية للغرب بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تنته الأزمة الفييتنامية والحرب الباردة بانتهاء تلك المعركة، بل كانت «ديان بيان فو» إحدى حلقاتها. فقد تكرر المشهد نفسه مع الولايات المتحدة الأميركية التي حاولت تجنيب نفسها الانغراس فى ازمة فييتنام في العام 1954، لكنّها انغمست في حرب طويلة الأمد هناك بين 1968و 1975. انتهت تلك الحرب بفشل الولايات المتحدة وخسارتها ما يقارب 57 ألف قتيل وأكثر من 153 ألف جريح و587 أسيرًا، فكانت تلك المعركة من أهم معارك القرن العشرين، وشكلت رمزًا لحرب التحرير الوطنية ومحفزًا قويًا لقوى التحرر حول العالم.